Monday, October 7, 2019

وثائق سرية تكشف استغلال بريطانيا اسم الجماعة في حربها السرية على ناصر وسوكارنو وماو تسي دونغ

كشفت وثائق سرية أن بريطانيا استغلت شعبية وتأثير جماعة الإخوان المسلمين لشن حروب نفسية ودعائية سرية على أعدائها، من أمثال، الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، خلال العقد السابع من القرن الماضي.
وحسب الوثائق، فقد روجت بريطانيا منشورات تحمل زورا اسم الجماعة تهاجم فيها بقسوة سلوك الجيش المصري خلال وجوده في اليمن، الذي كان ساحة للصراع بين نظام عبد الناصر الجمهوري الجديد من جانب، والسعودية وبريطانيا الاستعمارية من جانب آخر.
وقد اطلعتُ على الوثائق، التي صُنف بعضها على أنه "بالغ السرية"، بعد استجابة الخارجية البريطانية، لطلب الإفراج عنها وفق قانون حرية المعلومات.

ومن الثابت تاريخيا أن رئيس الوزراء البريطاني دوغلاس هوم أمر في يوليو/تموز 1964 وزير خارجيته راب باتلر بالانتقام من عبد الناصر، بعد أزمة السويس وتدخل مصر العسكري في اليمن بما يهدد مصالح بريطانيا النفطية بشكل خاص، عن طريق "جعل الحياة جحيما بالنسبة له.. باستخدام بالمال والسلاح".
وبعدها تشكلت لجنة عمل سرية بمشاركة مختلف الأجهزة والوزارات المعنية لإدارة السياسة البريطانية تجاه اليمن.
وكان نظام عبد الناصر قد أرسل عشرات الآلاف من قوات الجيش المصري إلى اليمن بداية من شهر سبتمبر/آيلول عام 1962، تلبية لطلب الدعم من عبد الله السلال، الذي قاد انقلابا عسكريا على نظام الإمامة (الملكي) المُؤيَد من السعودية وبريطانيا.
وفي الفترة بين عامي 1962 و1965 شاركت بريطانيا في عمليات سرية دعما للقوات الملكية في مواجهة الجمهوريين اليمنيين الذين استولوا على السلطة في صنعاء في سبتمبر/أيلول عام 1962.
ورفضت بريطانيا الاعتراف بالنظام الجمهوري وقدمت مساعدات عسكرية للإمام البدر في مواجهة الجمهوريين المدعومين من الجيش والنظام المصريين. واستمر الصراع السياسي والعسكري والإعلامي بين مصر وبريطانيا في اليمن طوال عقد السبعينات.
جاءت مشاركة الجيش المصري (بين عام 1962 و1967) في حرب اليمن في سياق الصراع بين مصر والسعودية التي كان عبد الناصر يؤمن بأنها ضد ثورة عام 1952، التي قادها الجيش وأيدها الشعب في مصر، وتسعى لتدمير الوحدة بين مصر وسوريا.
وحين أرسل عبد الناصر القوات المصرية إلى اليمن، قيل حينها إن إقامة نظام جمهوري في اليمن مسألة استراتيجية لمصر التي كانت حريصة على السيطرة على البحر الأحمر.

"قنابل تكفي لتدمير إسرائيل"

وبعد انسحاب بريطانيا من جنوب اليمن وإعلان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وفي أوائل عام 1968، انتصر الجمهوريون على الملكيين وتمكنوا من كسر حصار صنعاء.
وخلال الشهور الأخيرة من وجودها في اليمن، تردد أن القوات المصرية استخدمت الغازات السامة، ما أدى لقتل عدد كبير من اليمنيين.
ونفت مصر هذا الاتهام. وقالت إنه جزء من "حملة نفسية بريطانية أمريكية" عليها. وفي شهر فبراير/شباط عام1967، أعلنت القاهرة ترحيبها بتحقيق أممي. غير أنه في الأول من الشهر التالي قالت الأمم المتحدة إنها "غير قادرة" على التعامل مع هذه القضية.
وانتهزت بريطانيا الفرصة. واستغلت اسم وتأثير الإخوان المسلمين، في إطار حربها السرية، لتأليب المسلمين، في مختلف الدول، على عبد الناصر ونظامه.
وجاءت تلك الحرب السرية في عقد شهد صراعا مريرا بين نظام عبد الناصر وجماعة الإخوان المسلمين.
ففي شهر أغسطس/آب عام 1965، اتهم النظام الإخوان بتدبير مؤامرة للإنقلاب عليه، ثم اعتقل الآلاف، وقتل عشرات منهم أثناء الاعتقال. وبعد عام، أُعدم عدد من الإخوان بينهم سيد قطب، أحد أبرز منظري الجماعة.
في هذا السياق، كانت الأجواء مواتية لتمرير المنشورات البريطانية المزورة على أنها فعلا صادرة عن الإخوان.
وقال أحد المنشورات، نقلا عن الإخوان، إن القوات المصرية في اليمن ليست مسلمة لأنها تقتل المسلمين بالغاز.
وتساءل "من يستطيع أن يقاوم الصعقة عندما يصف شاهدو العيان العرب كيف قُتل مائة وعشرون من الرجال والنساء الأطفال دفعة واحدة بعد أن أمر القواد المصريون الأشرار طياري الجمهورية العربية المتحدة في قاذفات القنابل التي صنعها الشيوعيون السوفييت الملحدون بإلقاء خمس وعشرين قنبلة غاز، التي هي كذلك من صنع الشيوعيين، على قرية كتاف الواقعة شمال شرقي صنعاء؟
وركز المنشور على أن الجيش المصري "استخدم أسلحة السوفييت الشيوعيين في قتل اليمنيين المسلمين". ووصف المصريين بأنهم "كفرة وأبشع من النازيين".
وقال "أيها الإخوان المؤمنون إن هذه الجرائم الفظيعة المخيفة التي تقشعر لها الأبدان واستعمال هذا السلاح البغيض المحرم استعماله دوليا في الحروب.. هذا السلاح الذي لم يستعمله حتى هتلر المجنون ضد أعدائه في الحرب العالمية الثانية...هذه الجرائم لم يرتكبها الملحدون أو الاستعماريون أو اليهود الصهيونيون، بل ارتكبها المصريون الذين من المفروض أنهم مؤمنون".
وقد استخدم فريق الحرب الدعائية البريطاني مفردات مشابهة لتلك التي استخدمها الإخوان المسلمون كي يبدو المنشور وكأنه بالفعل صادر عن الجماعة.
وتكشف الوثائق أن فكرة إصدار منشورات توهم قراءها بأنها صادرة عن الإخوان جاءت بعد زيارة مسؤول بالخارجية البريطانية إلى واشنطن.
وفي أحد الوثائق، يقول المسؤول، بعد عودته، "تشاورت مع الآنسة ستيفنسون ووافقت على أنه من المرجح والطبيعي أن مثل هذا التنظيم (تقصد الإخوان) يرسل هذا المنشور".
وكانت أجهزة الحرب السرية البريطانية تنشر المنشورات من نقاط توزيع مختلفة شملت دولا عربية ومسلمة وغير مسلمة في أفريقيا وآسيا.
وأرسلت المنشورات إلى صحفيين وكتاب ومراكز بحثية وتعليمية ومنظمات دينية مسلمة وجمعيات أهلية ومؤسسات حكومية ووزراء في هذه الدول.
وتكشف الوثائق أن الزعيم الإندونيسي الراحل أحمد سوكارنو كان أحد أهداف الحرب السرية البريطانية .
ولعبت بريطانيا دورا حاسما في الإطاحة بسوكارنو بسبب ميوله القومية التي اُعتبرت مناهضة للغرب ومشروعات تأميم الصناعة الإندونيسية خلال فترة الحرب الباردة. وأرسلت لندن في أوائل عقد السبعينات من القرن الماضي فريقا يضم خبراء من إدارة بحوث المعلومات في وزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات الخارجية "إم آي 6" وإدارة الحرب النفسية في الجيش البريطاني إلى سنغافورة لشن حرب دعائية مناهضة للزعيم الإندونيسي.
وبلغ عدد الفريق الشامل 400 شخص. وانتهى الصراع بتمكين الجيش الإندونيسي من الانقلاب على سوكارنو وتولي سوهارتو، الذي شن حملة قتل فيها مئات الآلاف ممن اشتُبه في كونهم شيوعيين، السلطة.